في ندوة احتفالية حملت الكثير من الدفء والحنين، قدّم المخرج الكبير محمد عبد العزيز شهادة فنية وإنسانية عن مشواره الطويل، مؤكدًا أن الكوميديا في جوهرها فكر اجتماعي جاد يرتدي ثوب الضحك، وليست مجرد أداة للتسلية أو إثارة القهقهة، بل مرآة حقيقية للمجتمع وسلوكياته.
الكوميديا كفن اجتماعي لا هدف للضحك
من خلال حديثه في الندوة التي جاءت تحت عنوان «أسرار صناعة الكوميديا» ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، أدارها الناقد السينمائي أسامة عبد الفتاح، بدا عبد العزيز كأنه يعيد تعريف مفهوم الكوميديا في السينما المصرية. فبالنسبة له، الضحك نتيجة وليست هدفًا؛ هو ثمرة طبيعية لدراما إنسانية تمس حياة الناس، لا غاية تُساق الأحداث من أجلها.
تلك الرؤية الفلسفية هي ما يفسر خلود أعماله، مثل «البعض يذهب للمأذون مرتين» و«خلي بالك من جيرانك» و«عصابة حمادة وتوتو»، التي ما زالت تُشاهد اليوم كدروس في كتابة الضحك النابع من الواقع لا من المبالغة.
عبد العزيز وعادل إمام.. صداقة الفن والرهان
كشف المخرج الكبير خلال الندوة عن كواليس علاقته القديمة بالنجم عادل إمام، موضحًا أن الكوميديا جمعتهما رغم تردد الأخير في البداية. حكاية فيلم «البعض يذهب للمأذون مرتين» تحولت إلى درس في الإصرار الفني والإيمان بالحدس الإبداعي، حيث أصر عبد العزيز على أن يقدم إمام الدور رغم رفضه، ليتحول الفيلم إلى أحد علامات السينما المصرية في السبعينيات، ويجسد مفهوم “الضحك الهادف” الذي تبناه المخرج طوال مسيرته.

صناعة الضحك.. معادلة الفكر والمتعة
يرى محمد عبد العزيز أن مهمة مخرج الكوميديا أصعب من مخرج التراجيديا، لأنها تتطلب ضبطًا دقيقًا بين خفة الدم والرسالة الفكرية، وبين الإضحاك والموقف الإنساني. فالكوميديا عنده ليست نكتة، بل حالة درامية نابعة من الشخصية والموقف، وهو ما جعل أفلامه تحمل دائمًا بعدًا اجتماعيًا واضحًا، يناقش قضايا الأسرة والطبقة الوسطى والمرأة والتحولات المجتمعية دون خطاب مباشر أو افتعال.
لبلبة.. شهادة التلميذة أمام أستاذها
في الندوة، تحدثت الفنانة لبلبة بإعجاب عن دور عبد العزيز في تشكيل شخصيتها الفنية، مشيرة إلى أنه علّمها كيف تؤدي الكوميديا بصدق دون ابتذال، وكيف تفصل بين الأداء الاستعراضي والتمثيل الكوميدي. شهادتها كانت بمثابة اعتراف بجيل صنع الضحك الراقي الذي يلامس الذكاء والعاطفة معًا.
إرث فني ممتد وأجيال تتسلم الراية
أوضح المخرج الكبير أنه يفخر بالأجيال الجديدة التي تواصل الطريق بنفس روح الالتزام والانضباط التي تعلمها من عمالقة مثل يوسف شاهين وصلاح أبو سيف ومحمد كريم. وأكد أنه سعى، من خلال عمله في المعهد العالي للسينما، إلى نقل القيم الجمالية والمهنية لتلاميذه كي يستمر تيار السينما الجادة في زمن تتسارع فيه المتغيرات.
تكريم مستحق واعتراف بالريادة
عبر عبد العزيز في ختام الندوة عن امتنانه العميق لتكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي بحصوله على جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر، معتبرًا أن هذا التكريم تتويج لمسيرة امتدت بين السينما والمسرح والتلفزيون، مليئة بالأعمال التي حملت “الضحكة الهادفة والرسالة النبيلة”.
إن تجربة محمد عبد العزيز ليست فقط رحلة مخرج ناجح، بل درس في الوعي الجمالي والاجتماعي، إذ قدّم الكوميديا كأداة فكرية وإنسانية تلامس وجدان الجمهور وتفضح تناقضات المجتمع بذكاء وسخرية راقية.
لقد أعاد عبد العزيز في ندوة تكريمه التذكير بأن الكوميديا الراقية هي ضمير الأمة حين تبتسم.
