محمد قناوي يكتب:«نافذة على فلسطين» في الجونة..سينما من قلب الألم

تواصل الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي  والتي تنطلق الخميس المقبل انحيازها للسينما ذات البعد الإنساني والالتزام الثقافي، عبر برنامجها «نافذة على فلسطين» الذي أصبح ثابتاً في خريطة المهرجان منذ ثلاث سنوات.

في دورة هذا العام، تعود النافذة  يفتح باباً جديداً أمام الجمهورعلى الوجع الفلسطيني، لكنها أيضًا تضيء على الأمل والمقاومة وصناعة الصورة من تحت الركام، حيث يصبح الكاميرا سلاحًا والمشهد فعل بقاء.

يتميّز برنامج هذا العام بأنّ جميع أفلامه السبعة جاءت من إنتاج مخرجين فلسطينيين يعيشون في غزة، ضمن مبادرة «من المسافة صفر وأقرب» التي توثّق الحياة اليومية تحت الحصار والعدوان، هذه المقاربة تمنح الأفلام مصداقية عالية ودفئًا إنسانيًا لا يمكن تحقيقه من وراء الشاشات البعيدة؛ فالكاميرا هنا ليست عين مراقب، بل شاهد حيّ يعيش ما يصوّر.

وعي بأهمية الفن

اختيار الجونة لهذه الأفلام القصيرة والوثائقية القصيرة تحديدًا ، يؤكد وعيه بأهمية الفن السريع الإيقاع، القادر على التقاط نبض اللحظة وملامح البشر في أكثر الظروف قسوة ، كما يتيح هذا الشكل تعدد الأصوات والزوايا، فيجلس المشاهد أمام سبع مرايا لواقع واحد، ولكن في نفس الوقت تعكس هذه الأفلام واقعًا متنوعًا ومعقّدًا، مليئًا بتجارب متناقضة ولكنها ثرية بالحياة

على الرغم من حضور السياق السياسي القاهر في الخلفية، فإن «نافذة على فلسطين» هذا العام تذهب أبعد من الخبر والصورة التلفزيونية، لتقدّم رؤية فنية تعلي من شأن الإنسان الفلسطيني في تفاصيله البسيطة:” أمّ تعد الخبز على ضوء شمعة” ، “طفل يحلم بالبحر” ، “شاب يوثّق مدينته المهدّمة ليمنحها ذاكرة” ، هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تصنع المعنى الكبير، وتعيد تشكيل الوعي بعيدًا عن الشعارات والخطب ، وفي هذا، ينجح البرنامج في تحقيق معادلة دقيقة: أن تظل السينما فنًا لا بيانًا، وأن تعيد صياغة الوجع كقيمة فنية وجمالية، لا كمادة للاستجداء العاطفي.

منصة دولية مرموقة

عرض هذه الأعمال في منصة دولية مرموقة كمهرجان الجونة يمنحها فرصة نادرة للتداول والنقاش والتوثيق، ويتيح لصنّاعها الالتقاء بمنتجين وموزعين ونقاد من أنحاء العالم، هذه «النافذة» لا تنفتح فقط من فلسطين إلى العالم، بل أيضًا من العالم على فلسطين، لتعيدها إلى موقعها الطبيعي في خريطة الوعي الإنساني.

«نافذة على فلسطين» في الجونة ليست مجرد عنوان برمجي، بل موقف ثقافي وإنساني يعيد الاعتبار لدور الفن كوثيقة وصرخة وجسر بين الشعوب ، هي مساحة ترى الإنسان الفلسطيني لا كضحية، بل كصانع معنى، وفنان يقاوم بالضوء في وجه العتمة، يبقى الأمل أن تظل هذه النافذة مفتوحة، لأن وراءها دائمًا حكاية تستحق أن تروى… وصورة لا ينبغي أن تغيب.